قلعة بني حماد عاصمة الحماديين المنسية
تعد السياحة اليوم مطلبا ملحا من مطالب الإنسان الحديث للتعبير عن التغيير ،وقد بدأت المنظمات والدول بالاهتمام بما يعرف بالصناعة و أصبحت بذلك السياحة أحد السبل لحل المشكلات الاقتصادية، فهي بإمكانها أن تنشط الخدمات والقطاعات أخرى وذلك عن الطريق المداخيل الكبيرة التي تدرها حيث انها تعتبر من أهم مصادر إدخال العملة الصعبة وزيادة النفقات المالية للخزينة ، هذا ما يزيد من قيمة الدخل الفردي للفرد ويخلق مناصب شغل جديدة للسكان المحليين .وهنا تكمن الأهمية الاقتصادية والاجتماعية للسياحة .. والجزائر معنية في هذا المجال إذ يصب عليها إعطاء أهمية أكثر للقطاع السياحي لأنها تملك إمكانيات لا يستهان بها إلا أنها غير مستغلة بشكل كامل .فمثال ذلك الكنوز الأركيولوجية التي تعود إلى حضارات اندثرت في ماض زاخر بالأحداث كالحضارة الرومانية وغيرها.
لكن ليس كل ما هو أركيولوجي يعود إلى الحضارة الرومانية فقد كان هناك نصيب للدولة الحماديه أيضا في ترك بصمة في تاريخ الجزائر العريق ،فقد اتخذوا من قلعة بني حماد كعاصمة أولى لدولتهم التي بلغت أوجها في القرن الحادي عشر ،قبل أن ينتقلوا بها إلى بجاية.
فهي تقع في ولاية المسيلة وتحديدا في بلدية المعاضيد على بعد 36 كلم ،فلا يمكنك زيارة ولاية المسيلة دون التعريج على موقعها المصنف في التراث العالمي فسيكون لزما عليك أن تقف على أطلال حضارة لا تزال مطمورة وتنتظر من يعيد بعثها وتقديمها للراغبين والباحثين ،رغم مرور عقود من الزمن لم تحظ قلعه مدينة بني حماد بالعناية اللازمة التي تليق بمقامها ومكانتها كحضارة لأمراء بني حماد ،كيف لا وهي التي تحظى بمخطط عمراني فريد من نوعه تبدو قلعة مدينة بني حماد من بعيد وأنت تشق الطريق المؤدية إليها، خالية على عروشها، فالطريق المؤدي إلى القلعة رائع، وجدير بأن يكون ضمن مسار السياح،فعلاوة على المناظر الخلابة، حيث يتجاور اللون القمحي مع مساحات خضراء مترامية، يداعب الوجوه نسيم عليل ينسي قساوة البيئة المسيلية خاصة لغير المعتادين على مثل هذا المناخ .وبالنظر للمكان الواقع على ارتفاع ألف متر فوق سطح البحر تجتاحه برودة منعشة، ويطل عليه جبلا تقربوست وقرين. المئذنة التي لا تزال صامدة في وجه التقلبات والتغيرات، تعدّ من أقدم المآذن الجزائرية، وتتألف من برج واحد، مبنية بالحجر، وهي تحفة معمارية رائعة حتى أنّ بعض الباحثين يشيرون إلى أنّ مئذنة هذا المسجد أثرت في المآذن الموحدية، وخصوصا في مئذنة جامع إشبيلية. سطح المئذنة يعدّ نقطة سوداء دون منازع، حيث عمد المرممون الأوائل للموقع في العقد السابع من القرن الماضي، إلى وضع قاعدة إسمنتية له لحمايته من مياه الأمطار وإيقاف التصدعات التي تتخلل البناية التي أنشئت على شكل قلعة مربعة بثلاث مناطق تقسم في البعد الشاقولي تلك الواقعة في الوسط وتفتح في القاعدة بباب وتتواصل على خمسة طوابق. لها شرفات وأقواس عمياء، وتمتد المنطقتان القاعديتان إلى الطابق الثاني في شكل مخبأ نصف دائري، وهي مقعرة بالداخل وفوقها قوسان متراتبان. فلا يمكن فهم طبيعة قلعة بني حماد دون المرور بالمتحف وهو بمحاذاة موقع قلعة بني حماد، في الجهة الشمالية الشرقية للمدينة ويبعد عنها بحوالي 500 متر وعن مقر بلدية المعاضيد بـ 700 متر يحده من الشمال المركز الثقافي ومقبرة الشهداء، ومن الشرق النادي السياحي ومن الجنوب مساكن وبساتين خاصة بسكان البلدية ومن الغرب طريق فرعي ،وقد أنشئ عام 1955 قصد صيانة الأغراض الأثرية المكتشفة خلال البعثات الاستكشافية والحفريات ،حيث يستطيع الزائر رؤية مجسم يبين خصوصية القلعة وفق إعادة تصورات تقريبية للمدينة بحصونها،قصورها ،أحيائها و مسجدها الجامع .
فقد اعتنى الأمراء الحماديين بتسوير مدينة القلعة لتكون منيعة، صعبة المنال وحصنا قويا يسهل الدفاع عنها. إذ كانت قلعة بني حماد محاطة بسور يبلغ طوله 7 كيلومترات، ما زالت آثاره باقية إلى يومنا هذا، يبدأ من الشط الغربي لوادي فرج من جهة الشرق، ثم يتجه نحو الشمال إلى أن يصل إلى جبل تقربوست، ثم ينحدر نحو جبل قرين ليعبر باتجاه الشط الشرقي.
كما اهتم الأمراء ببناء الأبراج القوية والعالية للمراقبة، ومن بين أبراج المراقبة التي يشير إليها الباحثون “برج المنار” الذي كان يمتاز بعلوه. تحيط بالمدينة 3 أبواب رئيسية واسعة شيّدت على جانبي كل واحدة منها مراكز حراسة هي بمثابة أبراج صغيرة، هذه الأبواب هي “باب الأقواس”، “باب الجنان” و”باب جراوة”، ولم يبق منها سوى “باب الأقواس” ،فكانت مدينة بني حماد تغطي 150 هكتارا، وعثر الأثريون بها على 3 قصور، منها قصر “المنار”، قصر “البحر” وقصر “السلام”. فقصر “المنار” المبني بأسلوب فني معماري بديع، يتألف من عدة مبان بعضها بجانب بعض، وتوجد به قاعات مختلفة الشكل. كان الجدار الشمالي يحتوي على ألواح رخامية مستطيلة، فوقها شريط مزيّن بعناصر هندسية منقوشة على الحجر، كانت القاعة الشرفية للمقر مفروشة بقطع من الخزف بيضاء وخضراء، كما يحوي أصغر مسجد بطول 1.60سنتيمتر رغم حجمه الهائل، وتتخلّل القصر أحواض. أما قصر “البحر”- فتم اكتشافه خلال الحفريات التي أجراها دي بيلي عام 1907، ومن مميزاته أنّ مدخله الشرفي يشكّل قاعدة صليبية الشكل وصفين من القاعات المستطيلة المتّجهة من الجنوب إلى الشمال، ورواق مفروش بالآجر الأحمر يحيط بالحوض الكبير وقصر “السلام” يضم أربع غرف وحجرة صغيرة، يؤدي مدخله إلى قاعة مستطيلة، وبه أيضا قاعات مختلفة الشكل والمقاسات، ويشير بعض الأثريين إلى وجود قصر رابع هو قصر “الكوكب” أو “النجمة” الذي لا يزال مطمورا ولا توجد معلومات دقيقة عنه وللإشارة يعود تاريخ إنجاز وبناء قلعة بني حماد إلى الفترة الممتدة بين سنتي 1007 و1008 ميلادي على يد حماد بن بلكين الذي يرجع نسبه إلى زيري، أشهر أمراء صنهاجة، وهو مؤسّس الدولة الحمّادية بالجزائر. دامت مدة بناء هذا الصرح الإسلامي العظيم 30 سنة، استخدمت فيه الهندسة المعمارية الإسلامية الأصيلة بزخارف وتصميمات تعكس التراث الإسلامي
يذكر روّاد التاريخ والآثار أن بناء القلعة في هذا الموقع لم يكن عبثا، وإنما ينم عن دراسة إستراتيجية معمقة لها أهداف بعيدة كل البعد عن الهدف العسكري وحده. فحماد بن بلكين قصد بناء القلعة أمام أو بالقرب من سوق “حمزة” المشهورة، لجعل الحياة بداخل أسوار القلعة سهلة وتقرّب كل ما هو بعيد للمواطن . وأدرجت “اليونسكو” قلعة بني حماد سنة 1980 في لائحة المواقع الأثرية للإنسانية، وتعرضت على مدار تاريخها الطويل إلى أحداث جسام، منذ الاصطدام الذي حصل في الزمن القديم بين الأمازيغ والعرب الهلاليين. مرورا بموجة التدمير الذي لحق قطاعا مهما من هياكلها في القرنين الخامس والسادس الهجريين. وصولا إلى ما طالها خلال القرن الماضي بسبب الاحتلال الفرنسي للجزائر، بيد أن القلعة ظلت صامدة شامخة واستوعبت قوافل من العلماء والفقهاء والشعراء والمتصوفين، وأقام بها في مختلف الفترات مزيج من السكان المحليين وبعض الوافدين إليها من الدول المغاربية المجاورة، مما مكنّها ـ حسب جمهور الباحثين والمؤرخين ـ من التموقع كعاصمة لحواضر الشمال الإفريقي وملتقى لمختلف تجليات الحياة الثقافية والنتاج الفكري، حتى أن الشاعر ابن هاني الأندلسي امتدحها وردّد قولته المأثورة: “قلعة بني حماد.. جنة الله في أرضه. “
ومن الملفت للنظر أن ما خلفه عدد من الكتاب الفرنسيين أمثال لوسيان جولفان وجورج مارسي إقتصر فقط على الطابع العمراني الأثري لمساجد وقصور ومنتزهات القلعة دون الولوج إلى مكنتزاتها و ما كانت تتوج به مجالسها ولعل مازاد الطين بلة هو ضياع أعمال مؤرخي الدولة الحمادية .
قلعة بني حماد رغم ما تشهده من اندثار بطيء، لكنه أكيد، يحج إليها مهتمون وباحثون وفضوليون من مختلف أنحاء العالم. فصل الربيع هو أفضل موسم تنتعش فيه السياحة بالمنطقة و ذلك لامتداد جبال الحضنة فهو مكان نادر الجمال ، و الموشى بالعديد من البيوت القديمة ، المشكلة کالعناقيد والمبنية بالحجارة المحلية و المغطاة بالقرميد المصنوع بالطين والتي تتماهى مع هذا المنظر الرائع ، بين الأخاديد التي في جوفها تجري مياه عذبة وصافية ، تجتاز بعض الشلالات ومجموعة من الحدائق والمزارع كل هذا الجمال تحفه كذلك صخور ذات أشكال هندسية فريدة . و عندما تصل إلى قمة ، فإنكم ستشرفون من الأعلى وفي نظرة بانورامية أخاذة ، على هضبة وشط الحضنة . ويمكن أن يصل عدد الزائرين خلال أيام نهاية الأسبوع إلى 6 آلاف زائر،ف الموقع يستضيف سواحا من جنسيات مختلفة، على غرار الفرنسية، الصينية، الكندية، الفلسطينية، الروسية، المغربية، الأردنية، السودانية، الألمانية والهولندية، إلى جانب السورية، ويبقى اليابانيون أكثر القاصدين لقلعة مدينة بني حماد بشكل دوري، ويأتي السياح فرادى أو في جماعات تتكفل بهم وكالات السياحة والأسفار.
وتحوي المنطقة مؤهلات دينية أخرى تتمثل في مسجد أبو الفضل النحوي الذي نسب في تسميته إلى ولي صالح كما يقال وهو يوسف ابو الفضل النحوي رجل فقيه وعالم بأصول الدين والفقه وكان أديبا بارعا في نظم الشعر من قصائده “المنفرجة” التي نقشت شروحاتها على سقف احد المساجد بتركيا ،أستقر بمدينه القلعة وتوفي بها ودفن بجوار المسجد المسمى باسمه .
وتوفرها أيضا على زاويه الشيخ الولهي صاحب الطريقة التيجانية وقد لعبت هذه الأخيرة دوارا مهما في تحفيظ القرآن الكريم و التربية و التعليم ،فلم تسلم من الحرق وقد بقيت آثارها صامدة كصمود قلعة بني حماد تروي بطولات عائله سخرت نفسها لخدمة الدين .
ناهيك عن الحضارات القديمة فقد مرت الجزائر على مرحله عصيبة وهي الاحتلال الفرنسي الذي ترك مخلفات مأساوية في كل المجالات ،فقدت اشتهرت المنطقة بسخاء سكانها وحبهم لمسانده الغير فقد اقام بها المجاهدون و أقاموا لهم مستشفيات وزودوهم بكل ما يحتاجون ومثل ذاك غار الشط المتواجد بقرية الزرايف الواقعة غرب المعاضيد في منطقة جبلية وهو عبارة عن مغارة أقيم بها مستشفى من أجل إسعاف المجاهدين ويقال أن هذه المغارة لا تنتهي .ولا ننسى مركز برحال الواقع في قرية الغيل فما يزال صامدا إلى الآن بناء من الطوب في منطقه آنية أستخدم أيضا من أجل إيواء المجاهدين وإسعاف الجرحى منهم وتأمين الأكل والشرب وكل هذا بسخاء أهل المنطقة . كما تتوفر المنطقة على سد للمياه يسمى القطاطسه كما يسميه أهل المنطقة عند امتلائه يكون منظرا طبيعيا خلابا لأنه محصور بين جبلين يمتد إلى الأمام مكونا نهرا يستغله سكان المنطقة في ري نباتاتهم .
وكل عام يقام الربيع السياحي والثقافي لقلعه بني حماد والذي يلقى إقبالا كثيفا من الجمهور من مختلف بلديات الولاية و حتى خارج الولاية وهو عبارة عن مهرجان سنوي يتم فيه التعريف بتاريخ قلعه بني حماد والتعريف بالمواقع الاثريه المتواجدة بالمنطقة للسياح الأجانب وهو يقام في فصل الربيع حيث يسمى ربيع القلعة حيث تكتسي المنطقة بحله خضراء بعد شتاء عبر بجمال أيضا هو الآخر حيث تكتسي الجبال حلة بيضاء وكأنها عروس ستزف ويأتيها الزوار من كل بقاع الولاية للتمتع بالجو الشتوي ،فالمناخ لا يؤثر إطلاقا بالنسبة للسياح فهي تظل وجهة سياحية على مدى فصول السنة .كما تقام معارض للتعريف بالموروث الثقافي والسياحي، فالمنطقة تزخر أيضا بالعديد من أنواع الصناعات التقليدية والحرف التي توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد و مازالت تحافظ على طابعها الأصلي والأصيل ، وتستعمل في الحياة اليومية للسكان ، وفي المناسبات ، حسب المواسم والفصول ، وأهمها : صناعة النسيج والصوف و الوبر : مثل الزرابي وصناعة الخيمة و البرنوس و القشابية و الحنبل والملقوط والمرقومة والألبسة التقليدية للرجال والنساء والأطفال وصناعة الخشب : كالقصعة و المهراس و الغريال و أدوات النسيج ( الخشية والقصبة ،المشط والستارة والمغزل والعضاضة .. ) وادوات الزينة التي يوضع فيها الكحل ، أو صناديق الحلي والمجوهرات . صناعة الجلود ك سروج الخيول ، الأحذية التقليدية ، الصنادل المحازم و محافظ الجنود .. و ايضا صناعة الفضة : المجوهرات الفضية مثل : المقايس ، الخلخال الخلالة ، الخواتم .. و نجد كذلك صناعة الفخار صناعة أواني الطبخ مثل القصعة ، الطاجينه القلة المغرد .. صناعة الحلفاء ك القفة والطبق والقنونة و الكسكاس ..وأيضا الحدادة التقليدية كالأدوات الفلاحية المحراث و الفأس والمنجل ، ونجد في كل منطقة فنا مختلفا من فنون الطبخ التقليدي والأكلات المحلية حيث تتفنن المرأة الحضنية في إعداد ما لذ وطاب من أطباق تقليدية نالت شهرة محلية ووطنية و حتى دولية ، إذ حظيت باهتمام العديد من وسائل الإعلام والقنوات الوطنية و الاحبة خاصة : الشخشوخة و المريش ، و الزفيطي وغيرهما ، ونظرا للإقبال والطلب الكبير على مثل هذه الأكلات تزايد بشكل ملحوظ عدد المطاعم الشحنة في الطبخ التقليدي بالولاية ، كما توجد أنواع أخرى من الأطباق والحلويات مثل : الكسكسي ( البريوشة أو الطعام . العيش ( المردود ، أو البركوكس ) . المبرجة ، الرفيس ، الروينة ليفري ( الرغيف أو الغرايف ) ، المقطعة ( الحسوة ) ، المحاجب ( المحجوبة الطمينة الشرشم ، الجين التقليدي ، خبز المقوية المصنوع من الشعير أو الحرشاية ..) ويتم إعداد وتقديم بعض هذه الطباق المحلية في أواني تقليدية مصنوعة من الفخار أو الخشب ، أو الحلفاء لتصبح ذات نكهة خاصة وذوق مميز. وبتم عرضها في مهرجان القلعه الربيعي في خيم تقليدية والتي أصبحت تؤدي دورا سياحيا كبيرا على المستوى الشعبي والرسمي على حد سواء بل وزاد الطلب عنها من طرف السواح والوطنيين وكذا الأجانب والوفود المختلفة الرسمية أو الأكاديمية.
و في الأخير نستطيع القول أن ولاية المسيلة يمكن لها أن تكون قطب سياحي بدرجة أولى وذلك لامتلاكها من مقومات ومؤهلات سياحية طبيعية,تاريخية,ومعالم أثرية,تحولها قبلة حقيقية للسياح وتكون لها تنافس و مكانة مرموقة محليا ودوليا ومساهمة فعليا في تحقيق تنمية المحلية على مستوى مناطق التوسع السياحي وبديلا اقتصاديا وهذا لن يكتب له النجاح إلا بتضافر جهود الجميع والرغبة في تطوير القطاع وتنشيطه . ولذلك كل مظاهر هذه المنطقة تستحق المشاهدة والتعرف عليها عن قرب لذلك حاول قدر المستطيع أن تكون مدينة قلعة بني حماد جزءا من مخططك السياحي بالجزائر.
بلفار فاطمة الزهراء