أصل التنس…ويمبلدون
لدينا أكثر من 60 بطولة سنويا للتنس , لدينا أكبر 4 بطولات تستأثر بكل الأضواء والتركيز والاهتمام طوال الموسم , ثم لدينا “ويمبلدون” التي تتربع على عرش اللعبة دوما دون أي مزاحمة أو مضايقات .
ويمبلدون هي حلم الجميع , لا يوجد احد له علاقة بالتنس من قريب أو بعيد إلا وسحرته أجواء البطولة وسحره اللون الأخضر الجميل تحت أشعة الشمس الساطعة , لا يوجد لاعب تنس إلا وداعب خياله وأحلامه منظره وهو يرفع كأسها الذهبية تحت تصفيق الجميع بمن فيهم المنصة الملكية هناك , إنها أقدم بطولة تنس على الإطلاق , هذا الموسم تطفئ شمعتها الـ 140 , لا يوجد أي بطولة تقترب منها من حيث العراقة ولا من حيث التاريخ ولا من حيث القيمة ولا من حيث أي شيئ قد يخطر على بالك .
البطولة بدأت عام 1877 في وقت لم يكن للتنس أي نشاط منظم , كانت مجرد رياضة للأغنياء وفي النوادي الفارهة , لا شيئ ينظم اللعبة ولا مكان يمكن للناس أن يذهبوا إليه كي يشاهدوا اللعبة , جاءت ويمبلدون وأقامت أول نشاط علني للعبة كي تخرجها من تلك الدائرة الضيقة التي أحاطت بها إلى الجميع , بدأت بالعشب ولا زالت تُلعب على العشب , أمريكا المفتوحة صمدت بالعشب أكثر من 8 عقود ثم رضخت للجيل الجديد من الأراضي “الأراضي الصلبة” , استراليا المفتوحة صمدت بالعشب 8 عقود أيضا لكن أيضا رضخت في النهاية كحال أمريكا المفتوحة , بقيت ويمبلدون صامدة وستبقى دائما .
أنت تتحدث عن أرضية كانت تشكل 75% من التنس حرفيا لمدة قرن كامل , ويمبلدون فوق أنها كانت شرارة انطلاق اللعبة التنس الحديث بتنظيم اول بطولة علنية والمساهمة الفعلية في وضع قوانين لها , هي ما زالت تحتفظ بكل شيئ كما كان قبل 140 عاما , لا زال لون الملعب اخضر ولا زال اللاعبين يرتدون اللون الأبيض الكامل , لا تزال تحتفظ حتى برعاة البطولة , مورد البطولة الأول مثلا شركة Slazenger هي من تزود البطولة بالكرات منذ 1902 , هناك موردين مستمرون منذ ثلاثينات القرن الماضي مثل مورد مشروبات البطولة الذي زال نفسه منذ عام 1935 , هناك محلات تجارية في مجمع البطولة عمرها من عمر البطولة .
منظمي البطولة اجتهدوا تاريخيا في جعل ويمبلدون مختلفة , ليس الاختلاف لمجرد الاختلاف , بل الاختلاف لأنها ضد الزمن , كل ما أمكنهم إبقاءه بعيدا عن عبث الزمن أبقوه , لا تزال تشعر بـ نوستاليجا وأنت تتابع أي مباراة في الملعب الرئيسي , شيئ من النوستاليجا لو كُتب لك وتجولت في مجمع البطولة وبعدها طالعت صور قديمة له , لن تشعر بأي شيئ وبأي فارق , لذلك نسبة كبار السن هناك تكون مرتفعة عن اي بطولة تنس أخرى , هنا كان شبابهم وهنا المكان الوحيد ربما الذي لا يحتاجون ذاكرتهم كي يصفونه لأحفادهم , يحتاج إلى أعين فقط .
ملعب البطولة الرئيسي الذي يكفي أن تقول فقط Centre Court كي تعرّف به , الملعب الذي عمره 95 عاما بالتمام والكمال , لا يوجد ملعب أقدم منه ولا يوجد ملعب شهد ملاحم مثله , هنا مر جميع أساطير اللعبة , كلهم دخلوا هذا الملعب مع مضاربهم وابهروا العالم بما قدموه , هذا المكان طالما كان شاهدا على أحلام تتحقق ودموع تنهمر , دائما كان صامدا وشاهدا على التنس منذ مضاربه الخشبية الصغيرة إلى مضاربة الكبيرة الحديثة , منذ أن كان يرتدي اللاعبين ملابس شبه رسمية أثناء اللعب إلى أن أصبحت اللعبة تجارة بحد ذاتها , لا زال هذا الملعب شامخا وشاهدا على كل شيئ , هذا الملعب هو قلب التنس النابض دوما .
البطولة ملكية تماما , ماذا تريد ويمبلدون أكثر من أن تكون تحت رعاية العائلة المالكة البريطانية ؟ كل شيئ هناك ضمن برتوكولات ملكية كأنك في القصر الملكي في لندن , حتى عام 2003 مثلا كان اللاعبون يحيون المقصورة الملكية عندما يدخلون بالانحناء لها , هذا شيئ انعكس حتى على المشاهدين الذين لديهم برستيج خاص بهم , جمهور ويمبلدون هو أكثر جمهور راقي في اللعبة باعتراف اللاعبين , لا صخب ولا صراخ زائد ولا حماس مجنون , لا أغاني وموسيقى بين الأشواط وإعلانات حتى على شاشات عملاقة في الملعب , فقط جمهور قادم كي يتابع تنس ويستمتع في صمت ثم يحيي اللاعبين بالتصفيق فقط كأنك لم تدخل القرن الجديد , كأنك لا زال في سبعينات الفرن الماضي .
ويمبلدون هي صورة التنس أمام العالم , من لا يعرف التنس يعرف ويمبلدون حتما , في 2012 موقع Bleacher Report الشهير صنف ويمبلدون ضمن أعظم 10 أحداث رياضية تُقام على هذا الكوكب , وهي تستحق بلا شك لأنها اكبر من بطولة للتنس , هي من بدأت التنس ومن حافظت عليه حتى أصبح كما نعرفه اليوم , هي من تقدم التنس للعالم , هو ذلك الحدث الذي لا يتأثر بكأس العالم مثلا من حيث نسب المتابعة , قناة ESPN الشهيرة نقلت 215 ساعة من ويمبلدون في 2014 دون أن تتأثر نسب المتابعة بوجود كأس العالم , فقط ويمبلدون من يمكن أن تقول عنها انه حتى كأس العالم كرة القدم لا مشكلة لديها .